نملةٌ سريعة على رمالٍ ساخنة
ثارت نملة الصحراء الكبرى الفضية Cataglyphis bombycina حيرة علماء الأحياء؛ فهي أسرع نملة من جنس (Cataglyphis|) ويمكنها التحرُّك عبر رمال الصحراء الناعمة في ظل درجات حرارة مرتفعة للغاية، إلا أنَّ أرجلها أقصر من أرجل النوع الشقيق Cataglyphis fortis، الذي يعيش في المسطحات الملحية الأكثر برودةً والأشد خشونة.
ووفق هارالد وولف، المتخصص في علم بيولوجيا أعصاب المفصليات بجامعة أولم في ألمانيا، فإنَّ "النمل الفضي يُعَد نوعًا استثنائيًّا، حتى بين أنواع نمل الصحراء الأخرى، ذلك أنَّه يتكيف مع موائل الكثبان الرملية القاسية في الصحراء الكبرى شمال إفريقيا".
قدرة ذلك النمل على التحرك بسرعةٍ في أقصى فترات اليوم حرارةً تتيح له البحث عن الطعام، بينما يقبع معظم المنافسين والمفترسات في حالة خمول.
وقد أجرى الباحثون تحليلاً مُفصَّلًا لمقاطع فيديو خاصة بالنمل؛ لكشف ما يصفونه بأنَّه تكيُّفاتٌ سلوكية وفسيولوجية ومورفولوجية متميزة، تتيح لنملة الصحراء الكبرى الفضية قصيرة الأرجل التحرُّك بسرعة.
تتيح تلك التكيُّفات لأرجل نملة الصحراء الكبرى الفضية التحرُّك أسرع من أقاربها ذوات الأرجل الأطول، وملامسة سطح الأرض لوقتٍ أقل، والتمتع بتزامنٍ شبه مثالي بين حركة مجموعتي أرجلها، اللتين تضم كلٌّ منهما ثلاث أرجل. تتكون كل مجموعة من هاتين المجموعتين «ثلاثيتي الأرجل» اللتين تتحركان بالتناوب من ساقٍ أمامية وأخرى خلفية على جانبٍ واحد من الجسم، وساقٍ وسطى على الجانب الآخر.
وقال وولف عن حركة النمل: "لقد فوجئنا حقًّا عندما وجدنا أنَّ بإمكان هذا النمل الوصول بتردد خطواته حتى 40 هرتز، وهو ما يتطلب انكماش العضلات بسرعاتٍ تقترب من الحدود الفسيولوجية المعروفة". وأوضح أيضًا أنَّ الوقت القصير الذي يستغرقه النمل في ملامسة السطح يتحقق من خلال "التحليق في الهواء" بين الخطوات، حتى عند سرعات السير المنخفضة نسبيًّا.
ويرى وولف أنَّ فهم آلية حركة ذلك النمل لا يساعد فقط في فهم حركه الحشرات وتطورها، بل ربما تكون له تطبيقاتٌ محتملة تتعلق بتصميم الروبوتات السائرة، أو المركَبات التي تتعامل مع الأسطح الرملية. وربما تطبق مركَبات الإنزال الروبوتية المُرسلة إلى عوالم أخرى بعضًا من الدروس المستفادة من نمل الصحراء.
ويقول روديجر فينر، المتخصص في علم الأسس العصبية للسلوك الحيواني بجامعة زيوريخ، والذي لم يكن مشاركًا في الدراسة: "إنَّ البحث المضني الذي أجراه المؤلفون... يُعد مثالًا ممتازًا على قوة الدراسات المقارنة في مجالي المورفولوجيا الوظيفية والفسيولوجيا السلوكية".
يوضح أيضًا أنَّه لا تزال هناك حاجة إلى الكثير من البحوث لفهم المبادئ الفيزيائية وآليات التحكم الأساسية" التي تسهم في حدوث هذه الحركة السريعة المثيرة للإعجاب.
النملة الأكثر تحملا للحرارة المرتفعة في العالم
بوسع نملة الصحراء الكبرى التي حطمت رقما قياسيا في تحمل أعلى درجة للحرارة أن تظل على قيد الحياة في أكثر الأماكن سخونة على ظهر الأرض.
فدرجة الحرارة اللافحة والشمس في كبد السماء في الصحراء لا تتحملها معظم الحيوانات، لكن هذا الأمر لاينطبق على نملة الصحراء الكبرى التي تعرف باسم "كاتاجليفيس بيكلور".
وتمكث هذه النملة في الظل إلى أن تصبح درجات الحرارة غير محتملة بالنسبة للأنواع الأخرى من الحشرات، فتخرج من جحرها لتتغذى على جثث تلك الحشرات التي هلكت من جراء الارتفاع الشديد في درجة الحرارة.
وهذه النملة التي تعرف اختصارا باسم "سي بيكلور" قادرة على تحمل درجة حرارة خارجية تصل إلى 70 درجة مئوية لفترات قصيرة.
وحقيقة الأمر أن هناك على الأقل ثلاث مجموعات من الأجناس التي تنتمي إلى النمل القارض تستطيع العيش في درحة حرارة خارجية تصل إلى 60 درجة مئوية أو أكثر، ومنها "كاتاجليفيس"، و"اوسيميرميكس"، و"ميلوفيروس" التي تعيش في مناطق الصحراء الكبرى، وصحراء ناميب، والصحراء الاسترالية على التوالي.
ومع ذلك فتحمل درجات الحرارة لايتعلق فقط بأعلى درجة حرارة يمكن لحشرة ما أن تعمل في ظلها أو لهيبها على المدى القصير. وعند التحقيق في أي الأجناس أكثر تحملا لأقصى درجات الحرارة ارتفاعا، نظر فان شيروود، وهو عالم حشرات يعمل مع الجيش الأمريكي، في أعلى درجات الحرارة القاضية التي تعرف بـ"سي تي إم"، أو درجة الحرارة التي تفقد عندها الحشرة قدرتها على الهرب من محيطها في المختبر.
وأظهرت الاختبارات أن حشرة "اوسيمريمكس باربيجر" دخلت في إغماءة بعد 25 ثانية من تعرضها لدرجة حرارة 55 مئوية، كما أن حشرة "ميلوفيرس باجوتي" يمكنها البقاء على قيد الحياة لمدة ساعة عند درجة حرارة 54 درحة مئوية.
إلا أن نملة الصحراء الكبرى تفوقت على الأجناس الأكثر في تحمل درجة الحرارة وحققت 55.1 درجة مئوية بمقياس درجة الحرارة القاضية "سي تي ام".
وتترك تلك النملة - عند أقصى درحة حرارة في اليوم - مسكنها لدقائق معدودة لجمع الطعام في الوقت الذي يختبئ قاتلوها من حرارة الشمس. ويساعدها في ذلك من آن لآخر مراقبتها لوضع الشمس. كما يساعدها حسابها المستمر لعدد خطواتها، وحاسة الشم القوية لديها، في أن تجد طريق العودة سريعاً إلى مسكنها لتتجنب الوقوع ضحية درجة الحرارة الشديدة.
وتقلل قدرتها هذه على تحمل درجات الحرارة الشديدة من منافسة الحشرات الأخرى التي تتحمل درجات الحرارة الأقل في الحصول على الطعام الذي تقتات عليه.
وثمة ثلاث خصائص وسلوكيات تتيح لنملة الصحراء وسائر النمل المقاوم للحرارة الشديدة أن يكون نشيطاً في درجات الحرارة المرتفعة التي تقتل في العادة معظم الحيوانات الأخرى.
وتمتاز هذه الحشرات بالسرعة، إذ أظهرت القياسات أن حشرة "كاتاجليفيس فورتيس"، وحشرة "كاتاجلبفيس بومبيسينا" – وهي أقرب الحشرات إليها - تتحرك بسرعة متر في الثانية. وسيقانها الطويلة نسبياً تعني أن درجة الحرارة أعلى جسمها أبرد من ست إلى سبع درجات منها على سطح الأرض.
كما أنها تقف على العيدان الجافة للعشب مما يخفف من درجات حرارة جسمها المرتفعة
تعليقات: 0
إرسال تعليق